بحث عن محلة الهيتاويين في بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم
(بحث عن محلة الهيتاويين في بغداد )
أقتضت الظروف أن أسكن في مدينة بغداد 0عاصمة العراق –مدة مديدة آذ أنيطت بي مهمة الخطابة والامامه في بعض مساجدها الجامعة0 ومنها جامع( ألحاجه عاتكه الكيلانية في الجادرية )–أخر الكرادة الشرقية –المسماة قديما (كلوا ذا ) وجامع( وهيب الفرج) في منطقة زيونة مدينة الضباط (وجامع محمد فندي الكبيسي) في منطقة الشرطة الرابعة من أعمال مدينة البياع 0ومسجد( السيد سلمان النقيب) ابن السيد علي النقيب الكيلاني في منطقة ألسنك0 ثم عدت إلى مدينة هيت مسقط راسي ومدينة أبائي وأجدادي 0لاكننى كنت مولعا بالتردد على بغداد وزيارة مشايخها وعلماؤها الأعلام –كالعلامة الفقيه المعمر( الشيخ عبد الكريم ابن الملا محمد ابن فتاح المدرس البنجوينى الكردي )مفتى
الديار العراقية في عصره المعروف( بالشيخ عبد الكريم بياره) الشافعي مذهبا والقادري مشربا المولود في سنة (1323ه)والمتوفى في بغداد سنة (1426ه) وكان يدرس في مدرسة الشيخ عبد القادر ألجيلي (الكيلاني ) الفقيه الصوفي المعروف (470ه-561ه) والعلامة الفقيه الحنفي( الشيخ عبد الكريم الدبان )والعلامة ( الشيخ السيد شاكر ألبدري )والشيخ الموسوعي (جلال الحنفي) البغدادي إمام وخطيب جامع الخلفاء الذي كان يعرف في أيام العباسيين بجامع القصر (جامع الخليفة ) و(جامع دار الخلافةالعباسية ) المتوفى سنة (1427ه) وغير هؤلاء وفي خلال تجوالي في محال بغداد القديمة 0لفت نظري بين هاتيك المحلات اسم محلة


تعرف ب ( الهيتاويين ) وهي تقع خلف جامع الخلفاء وتنتهي عند بداية محلة (الصدرية ) وقد حركتني دواعي حب الوطن لا سيما مدينتى العريقة في تاريخها وحضارتها (هيت ) وكان ذلك بدواعي كتابة هذا البحث المختصر فأقول وبالله التوفيق
أن مدينة هيت من أعرق المدن العراقية0 وكانت معروفة قبل الإسلام حتى زعم بعض المؤرخين أن الصنم الذي عبدته قبيلة خزاعة في جاهليتها أنما أخذ من هيت وقد جاء في تعليل تسميتها (هيت إنها سميت بذلك لأنها في هوة من الأرض –كما جاء ذلك في معاجم اللغة العربية وكتب البلدان مثل كتاب (معجم البلدان )لياقوت الحموي (ت 626ه)(ومراصد الإطلاع )لابن عبد الحق البغدادي الحنبلي (ت 739 ه) وغيرهم وهناك رأي أنها سميت بهذا الاسم لأنها كانت منجما من مناجم مادة (القبر )مع تغير الاسم الأصلي الذي سميت به –في احدي اللغات القديمة والنسبة إلى هيت (الهيتى )كما جاء في كتاب (الأنساب )لابن السمعانى ومهذبه (اللباب ) لابن الأثير الجزري المتوفى (630ه) الا ان المتأخرين لاسيما العوام منهم ينسبون أليها بلفظ (الهيتاوي)وهو على غير الأصل كما ترى ولهذه النسبة الأخيرة نظائر في كلام العرب فقد ذكر العلامة مجد الدين الفيروز أبادي في مادة (بكر ) من القاموس المحيط أن النسبة إلى بني بكر ابن وائل وغيرهم (البكري ) وقد شذ من ذلك النسبة إلى بني بكر بن كلاب –فالنسبة إليهم (بكراوي ) وكيف كان الأمرفان هذه المحلة –المعروفة ب(الهيتاويين ) تقع في قلب بغداد العاصمة –يحدها من الشرق شارع الكفاح ومن الغرب شارع الجمهورية ومن الشمال الشرقي منطقة الشورجه ومن الجنوب محلة الصدرية ومحلة سراج الدين -وكانت هذه المحلة تعرف في أيام العباسيين


ب(المحلة المامونية )نسبة إلى الخليفة المأمون ابن الرشيد العباسي الذي اسكن جماعة من أتباعه فيها وهي مجاورة لدار الخلافة العباسية في الجانب الشرقي من بغداد في عصور الخلافة المتأخرة وكانت المامونية محلة كبيرة عامرة وفيها المدار س ألدينيه والمساجد الكبيرة –كما كانت تكتظ بالعلماء والمحدثين –وهي مجاورة ل محلة (باب الازج ) القديمة التي تجاورها من جهة الجنوب ومحلة باب الازج كانت كذلك –محلة كبيرة تمتد من جنوب محلة المامونية المذكورة إلى باب (كلوا ذا ) الذي محله اليوم ساحة التحرير قرب جسر الجمهورية وكانت أكثر سكانها من الحنابلة وفيها مدرسة العارف بالله الشيخ عبد القادر ألجيلي قدس سره العزيز وكانت في الأصل مدرسة أستاذه الشيخ (ابن سعد ألمخرمي ) وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ان لقب ألمخرمي هذا –تصحف ويتصفح كثيرا في كتب الصوفية –وفي ذكر أسانيد الطريقة القادرية إلى (المخزومي ) وهو خطاء فاحش لان أبا سعد ألمخرمي ليس من قبيلة بنى مخزوم أنما هو منسوب إلى محلة (المخرم ) ألواقعه بين الصرافة القديمة ومحلة باب المعلى ويوافق موضعها اليوم المحلة ألواقعه في اعلي منطقة العيواضية في أعلى باب المعظم المجاورة لمدينة الطب من الشمال وسبب تسمية المحلة ب (الهيتاويين ) نسبة إلى سكن جماعة من أهل هيت في هذه
المنطقة منذ أكثر من مائتي سنة وكانت هجرتهم لغرض الكسب الحلال والتجارة في مختلف أنواعها وحصلت مثل هذه الهجرة من هيت إلى مدينة الحلة –آذ لاتزال إلى ألان فيها محلة عامرة تعرف (بالهيتاويين ) وفيها مسجد جامع لأهل السنة والجماعة –تقام فيه الجمعة والجماعة ويدرس فيه بعض



المشايخ إلى وقت قريب وكان من خطباء مسجد الهيتاويين في الحلة الشيخ قيس الجباوي وعلى ذكر الشيخ
الجباوي أن في الحلة أيضا محلة تعرف (بالجباويين ) وأصلهم من منطقة (جبه )التابعة لقضاء هيت ومن اشهر علماء الهيتاويين في الحلة العلامة السيد عبد السلام الحافظ الذي كان إما ما وخطيبا في الجامع الكبير في الحلة ودفن في الجامع نفسه ومن الهيتاويين في الحلة الشاعر الكبير المرحوم الأستاذ عبد الرحيم عبد الرحمن الهيتى ثم رجع إلى هيت وتوفي فيها سنة 1997م –ومحلة الهيتاويين التي نحن بصدد الكلام عنها هي اليوم محلة مكتظة بالسكان وأكثر أهلها من الكسبة والتجار واختلط
الهيتاويون فيها بغيرهم من سائر سكان المنطقة حتى لم يعد احد يميز بينهم وبين جيرانهم من سائر البغداديين ويعيشون في ألفة ومودة وسلام –وقد جمعتهم وحدة الكلمة 0وهم بعيدون كل البعد عما يسمى ب (النعرات ألطائفيه ) والتعصب المقيت 0 ألا للحق لاكن المؤسف له –انه تركوا النسبة إلى بلدهم الأصلي ولقبو أنفسهم بألقاب جديدة كالعطار والبزاز والصباغ وغيرها من الألقاب المستحدثة 0ومما يؤخذ عليهم إنهم لم يعودوا يتصلون بأبناء بلدتهم هيت أو بعبارة أخرى (نسي الأبناء صلة آبائهم بحاضرة هيت ) والشاعر القديم يقول :
اعز بلاد الله مابين مبنج ألي وحمص ان يصوب سحابها
بلاد بها نيطة علي تمائي وأول ارض مس جسمي ترابها
ومما ينبغي التنبيه عليه 0ان محلة الهيتاويين في بغداد وتجاورها محلتان صغيرتان هما (الدهانة ) و ( والقشل ) ومن المواقع الاثريه فيها والتي لاتزال آثارها باقية إلى اليوم جامع ( الاجره ) الذي ذكر حكايته العلامة الفقيه المؤرخ الموسوعي الواعظ البغدادي عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي في كتابه (المنتظم ) وهذا


المسجد يعرف اليوم جامع ( حادي بادي ) آذ جدد بنائه رجل في سنة (1813م )
ومن الجوامع القديمة نسبيا فيه جامع ( المصلوب ) وهو من الجوامع القديمة آذ بنى في أيام الدولة العثمانية وفي هذه المحلة حسينية السيد عبد الكريم الحيدري التى أسست قبل نحو (70) عاما وفي هذه المنطقة ولد العلامة المؤرخ اللغوي الكبير الدكتور مصطفى جواد المتوفى في سنة (1969م) ولا يزال موضوع الدار الذي ولد فيها قائما في المنطقة المذكورة ولنا عودة إلى هذا الموضوع أن شاء الله تعالى